ننعي إلى الأمة الإسلامية وفاة رجل من أعظم رجالات العلم والدعوة والفكر ، عالم جليل وداعية موفق وخطيب فصيح مفوه ، حباه لله مواهب في العلوم والمعارف جعلته موفقا باسهمه في كل فن .
إنه العالم الجليل الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله بن ناصر البريك رحمه الله ،الخطيب الذي على منبره خطيب لا يبارى ، وفي دروس العلم أستاذ لا يجارى ، وفي مواضع الحوار مناظر صاحب حجة ، وفي الاعلام كاتب وصحفي بارع ، وفي الموعظة بليغ مؤثر ، بنى في الإسلام صروحا فعَّلى ، وسقى فأروى ، وبذل فأحسن ، وخطب فأسمع ، وجاهد بماله وحاله وجاهه ونفسه في مواطن كثيرة ، منذ نعومة أظفاره وشبابه، فعاش للإسلام وبالإسلام ومع لإسلام .
لا يمكن بل يستحيل حصر مآثره وسيرته في مقالة ، وإنما نشير هنا في سياق ذكره ، الى قليل من كثير ، ونزر من وفير ، على أمل ان نجمع مآثره وترجمته في مجلد يليق بمكانته كرجل علم ودعوة وفكر قل نظيره في علماء ودعاة القرن العشرين .
إنه باكورة عطاء ابن باز العلمي ، وتلميذ من خواص تلاميذه ، وتلميذ صفوة العلماء الصلحاء الأولياء في عصره بنجد : العثيمين والفوزان وابن جبرين والعبيكان وصفوة من العلماء الأخيار الاخرين لا يحصون كثرة.
تخرج من معاهد العلوم الشرعية حتى نال الدكتوراه في الفقه والقضاء ، خطب فيه وحاضر ودرس فيه وألف كتبا ومقالات وبحوثا جمة ، ولأنه غلب عليه حمل هموم الامة وإصلاحها والتصدي لمخططات النيل منها ومن ثوابتها فقد كرس الجزء الأكبر من حياته في الدعوة الى الله بالمحاضرات والخطب والدروس المواعظ واللقاءات والمؤتمرات والحوارات في ميادين الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، وبقي ذاك حاله حتى لقي ربه داعيا الى الله وسراجا منيرا.
فلا يكاد يمر عليه يوم الا وله فيه محاضرة أو درس او موعظة ، او لقاء او مناظرة ، ولا يكاد لا يوجد بيت ولا مكتبة إلا وله فيها كتيبات دعوية أو أشرطة نافعة .
إنه أيقونة الدعاة في الجيل المعاصر من شباب الامة وكهولها بل وشيوخها ، بلغت شهرته الأفاق ، ووصل صوت دعوته اطراف الأرض بين القرن الإفريقي واوروبا والصين بل وطوكيو ، فهو من قدماء المحاربين ممن رفعوا شعار لبيك إفريقيا بصحبة الداعية الصالح عبدالرحمن السميط رحمه الله فقد صحبه منذ بداية دعوته الى دول إفريقيا والصومال ، وأسلم على ايديهما خلق كثير .
وله في بلدان عديدة اليد الطولى في وضع الحجر الأساس للمعاهد الإسلامية ، كما في سويسرا وايطاليا وفرنسا بل واليابان بطوكيو ، كما له اليد الطولى في العديد من المشاريع الدعوية في الجزاىر ومصر ولبنان والسودان وغيرها .
اما المشاريع الخيرية التي بادر إليها مؤسسا داعما او دالا عليها مديرا لها فلا تكاد تحصر من كثرتها ولا يعلم عنها الا خواص خواصه من تلاميذه ورفقائه وأبنائه فله اليد الطولى في دعم العلم والعلماء واليتامى والفقراء في موريطانيا واليمن والمغرب والجزائر وغيرها بل وفي السعودية في كل ربوعها ، ويالله كم بنى الله على يد من دور التحفيظ القرآنية ومن مساجد يذكر فيها اسم الله ، وكم اعتقت على يده من رقاب ، وكم تمت من كفالات للأسر وطلبة العلم وكم بنيت من مستشفيات في الرياض وخارجها وكثير من تلك الأعمال لا يعلم عنها حتى أقرب المقربين إليه.
ومكاتب الدعوة تئن اليوم من فقده فله دور كبير في تأسيس العديد منها والاشراف على بعضها .
رجل منهجي لا يحيد قيد أنملة عن نهج العلماء الربانيين من علماء المملكة العربية السعودية على رأسهم هيىة كبار العلماء فبهداها عاش مقتديا مهتديا في فكره ودعوته ومنهجه لا سيما شيوخه ابن باز والعثيمين والفوزان . لا يخاف في الله لومة لائم ، ثابت على منهجه كالسيف ، لا ينازع الأمر أهله ، ناصح جامع لكلمة الأمة على الخير ، لا يسمح لاهل الأهواء بشق الصف ولا بنزع يد الطاعة عن ولاة الأمر ، كما يقف سدا منيعا في وجه دعاة السوء والتغريب ، وله معهم صولات وجولات في الاعلام السعودي وغيره هزت مكانهم وردت لكثير منهم عقولهم وشهد له بقوة طرحه وفكره العلماء والمفكرون والدعاة والنصفة من الأعداء قبل الأولياء.
أما قضايا الأمة الكبرى فتجده فيها حاضرا بقوة علمه وعقله ومبادراته ، ففي حرب افغانستان كان الى جانب ولاة الأمر مناصرا لقضية الأمة تحت توجيه العلماء واولي الامر ، وفي حرب البوسنة ملأ صوته العالم بالدعم والتحفيز للنصرة ، وفي حرب الشيشان وقف وقفة رجل بأمة مناصرا ومحفزا ، ولم تزل مناصرته لفلسطين والأقصى حاضرة في محاضراته وخطب ودروسه ومقالاته حتى كتب عنه نيتنياهو نفسه يشكو من مواقفه بل وناقش الكونغرس الأمريكي نفسه في جلسة من جلساته مواقفه من القضية الفلسطينية وغزة وكتب عنه العديد من الكتاب الغربيين، ايضا وفي سائر قضايا الامة له بصمة تنبض بالنصرة للحق والمستضعفين .
واذا وجدت الناس يختلفون على مواقفه فاعلم أن ذلك دليلا على صدقه وصواب رأيه وسداد منهجه فهو لا يتحذ المواقف على ما يطلبه المشاهدون وانما يقف موقف الحق على ضوء منهج أهل العلم لا يبالي وافق احدا او اختلف مع اخر.
إنه رجل بأمة ، ثاقب النظر ، سديد الرأي حاد الذكاء حازم قل نظيره في النشاط للدعوة والخير وميادينه لا يكاد يسبقه اليه احد ، صاحب خلق رفيع ، وادب جم وبر راق بوالديه ،رحيم بكل ذي قربى ومسلم مهموم بقضايا أمته ، مشغول بدعوته ، عاش لها وبها وفيها أستاذا معلما وشيخا مربيا وعالما مدرسا وواعظا مؤثرا .
وشواهد بره وخيره وخلقه وفضله من وقائع وقصص وحكايات من ايامه كثيرة تُدون في سير العلماء النبلاء.
مات رحمه الله على ما عاش عليه من الخير والهدى والاحسان، فرحمه الله رحمة واسعة وجعل ما خلفه من علم ودعوة وقفا له إلا يوم الدين ونفعنا بمحبته وخدمته وتقبله شهيدا عنده مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. .
سعدً منَ السعد اسمه وخصالُهُ
وللسعـد إن شـــاء الإله مــَــآلُه
وما مَوته مـَـوتً فإنه قــُــــدوة
يعيش بها حيا ويبقى وِصَــالهُ
فصوته فينا كالندى ينثرُ الهدى
وكتْبهُ فيــــــنا وفيـــــنا مقَـالُهُ
ألا رحمةٌ تغشى رياضــه للمدى
من الله والأنــــــــوار منْه تنالُهُ
تلميذه: إدريس ابوالحسن الصغيوار
=======
هذه المقالة رؤوس أقلام كالفهرس لترجمه يسر الله إعدادها وإكمالها .