وشُعْبةُ الإمامُ ذو الإجلالِ
أولُ مَن ضعَّف بالإعلالِ
وبعدَهُ الحفاظُ والنقادُ
في جمعِه وضبطِه أجادُوا
إذ صنِّفت فيه مصنفاتُ
تَزِينُها العلوم والنكاتُ
أغلبُها لخاصَةِ النُّقَّادِ
قد اختفَى أو ضاعَ في البلادِ
أجلُّها لابن المدني وما
كتبه الخلاَّلُ من العُظما
وابن أبي حاتم الإمامُ
والدارقطنيُّ له الإلمام ُ
وعللُ ابن حنبل المُبجَّلِ
ونحوه للترمذيِّ الأمثلِ
وشرحُهُ للحافظ ابْن رجبِ
ضمَّ قواعد الإعْلال فاطلُبِ
وبعدُ شارحُ الصحيحِ ابنُ حجرْ
له مصنَّفانِ فيهما الدُّررْ
وغيرها مما يطول ذكرهُ
في المكتبات غير ما ذكرتُهُ
وكتبُ العلاَّمة الألباني
توضِّحُ الإعلالَ بالتِّبيانِ
فهْي لطالبِ الحديث أمثلُ
لشرحِها باليسر عمَّن نقلُوا
(وشعبة) بن الحجَّاج الواسطي (الإمام ذو الإجلال)؛ لأنه من أهل العلم، أهل القرآن والحديث، والمكانة الرفيعة في الذب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلذلك استحق الإجلال والتقدير؛ فهو (أول مَن ضعف) الأحاديث (بالإعلال)؛ أي: ببيان عللها؛ كما قال ابن رجب - رحمه الله -: "هو أول مَن وسع الكلام في الجرح والتعديل، واتصال الأسانيد وانقطاعها، ونقَّب في دقائق علم العلل، وأئمة هذا الشأن بعده تبعٌ له في هذا العلم"[1]؛ فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
(وبعده)؛ أي: بعد شعبة تتابع (الحفَّاظ والنقَّاد في جمعه)؛ أي: في جمع هذا العلم وترتيبه (وضبطه)، وقد (أجادوا) في ذلك توفيقًا وعونًا من الله الحافظ لدينه؛ (إذ صنِّفت فيه مصنفات) كثيرة جدًّا (تزينها)؛ أي: تجملها وتزيدها قيمةً علمية (العلومُ) الدقيقة النفيسة في علم الحديث والرجال، لا سيما ما يتعلق منها بدقائق علم العلل، (و) كذلك (النكات) التي توضح خفايا هذا العلم، ولطائف قواعده وضوابطه، و(أغلبها)؛ أي: أغلب هذه المصنفات هي (لخاصة) المحدِّثين (النقاد)؛ إذ لا يقوى غيرهم على التأليف في علل الحديث، (وقد اختفت) غالبها، (أو ضاع في البلاد)؛ أي: جنس البلاد، وهي الأرض عمومًا، فما هو مطبوع أو موجود على شكل مخطوط قليلٌ في جنب ما ضاع من المؤلفات، لكنها مع اختفائها عن أنظارنا في هذا العصر، كان لها عظيم الأثر في عصر مصنفيها؛ إذ تعلم منها الأئمة وطلبة العلم، واستفادوا منها، فبالضرورة يكون نفعها وأثرها العلمي حاضرًا بيننا، وإن فُقدت، و(أجلها لابن المدني)؛ لأنه إمام مقدَّم في هذا الشأن، قال الإمام أحمد: "أعلمنا بالعلل علي بن المديني"[2]، وقال شيخ الإسلام البلقيني: "وأجلُّ كتاب في العلل كتاب الحافظ ابن المديني، وكذلك كتاب ابن أبي حاتم، وكتاب العلل للخلال، وأجمعها كتاب الحافظ الدارقطني"[3]، وقال الخطيب البغدادي - رحمه الله -: " كان علي بن المديني فيلسوف هذه الصنعة وطبيبها، ولسان طائفة الحديث وخطيبها، رحمة الله عليه، وأكرم مثواه لديه"[4].
(و) كذلك (ما) صنفه أبو بكر (الخلال)، وهو (من) الأئمة (العظما)؛ أي: العظماء، وله كتاب "العلل"، الذي رتَّب فيه العلل المنقولة عن الإمام أحمد على أبواب الفقه، (و) كذلك كتاب العلل لابن أبي حاتم، وكذلك ما صنفه الإمام (الدارقطني)، و(له الإلمام) في كتابه العلل الواردة في الأحاديث النبوية، وقد تقدَّم نص كلام البلقيني عليه، وأنه أجمع مصنف في العلل، (وعلل) الإمام أحمد (بن حنبل) إمام أهل السنة (المبجل) - رحمه الله - وعلله نقلت كتابًا من روايات ابنيه عنه: عبدالله وصالح، وأيضًا رواية المرُّوذِي، والميموني، وغيرهم، فكتاب العلل له، وهو روايات، وكتاب العلل ومعرفة الرجال رواية ابنه عبدالله، وكتاب معرفة الرجال والعلل رواية أبي بكر المرُّوذِي، (ونحوه) كتاب العلل في آخر الجامع (للترمذي)، الإمام (الأمثل) في حفظ السنة وروايتها، وعلم الحديث وعلله، (و) كذلك (شرحه)؛ أي: شرح علل الترمذي (للحافظ ابن رجب)، قال عنه الشيخ المحدِّث عبدالله السعد - حفظه الله -: "وقد ضمَّن شرحه قواعد نفيسة، وضوابط مفيدة، وتقسيمات نافعة، ونقولات عن كبار الحفاظ، تتعلق بعلم الرجال يحسن الرجوع إليه فيها"[5]؛ ولذلك قلت عنه: قد (ضم قواعد الإعلال)؛ أي: العلل، (فاطلب) قراءته ومدارسته ومذاكرته؛ فإنه من أنفس وأجمع كتب قواعد علل الحديث، إن لم يكن إمامَها.
(وبعدُ شارحُ الصحيح)؛ أي: فتح الباري، وشارحه هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام أحمد (ابن حجر) العسقلاني المصري، (له مصنفان) في علل الحديث، (فيهما الدرر) والفوائد النفيسة؛ لمكانة هذا الإمام المجدِّد لعلوم الحديث، وكلاهما مفقود لم يعثرْ عليهما، وهما:
الأول: "الزهر المطلول في الخبر المعلول"[6]، ومعنى المطلول؛ أي: الندي، من الطَّل، وهو المطر الخفيف، قيل: هو الندى، وقيل: فوق الندى ودون المطر، قال الشيخ العلامة أحمد شاكر - رحمه الله -: "لم أرَه، ولو وجد لكان في رأيي جديرًا بالنشر؛ لأن الحافظ ابن حجر دقيق الملاحظة، واسع الاطلاع، ويظن أنه يجمع ما تكلم فيه المتقدمون من الأئمة في الأحاديث المعلولة"[7]، والثاني: "شفاء الغلل في بيان العلل"[8].
(وكتب العلامة) الإمام المجدِّد إمام النقد في عصره، ناصر الدين بن نوح بن آدم نجاتي (الألباني) - قدس الله سرَّه - وأخصها الكتب المخرجة؛ مثل: سلسلة الأحاديث الصحيحة، وسلسلة الأحاديث الضعيفة، ومصنفاتُه الحديثية عمومًا تمثِّل مدرسة نقدية، جدَّدت علم العلل بأصوله وقواعده وأمثلته العملية، من خلال منهج الألباني في تخريج الأحاديث، وتتبع الطرق، وكلامه على الرجال، واستشهاده بكلام الأئمة من أهل الحديث وقواعدهم في الجرح والتعديل والمصطلح، واستقرائه لعادات ومناهج المحدثين في كلامِهم على الرجال والأسانيد، ومقصود عباراتهم، ودلالة ألفاظهم، وكذلك مراتب الثقات، حتى أضحت مصنفاتُه الحديثية مرجعًا للقواعد الحديثية في الحديث، فكم ألف منها في علم مصطلح الحديث، وفي الجرح والتعديل، وفي الحكم على الرواة، وفوائد الحديث عمومًا، ولا تزال الحاجة ماسة لدراسةٍ شمولية لمنهج الألباني - رحمه الله - في دراسة الحديث النبوي عمومًا، فكتبه (توضِّح الإعلال) الوارد على الأحاديث (بالتبيان) تقعيدًا وتأصيلاً وتمثيلاً، فرحمه الله رحمة واسعة؛ فقد كان في النقد آية، وفي العلل حجة، وفي تجديد علم الحديث إمامًا لهذا العصر بلا منازع، (فهي)؛ أي: كتب الإمام الألباني (لطالب الحديث أمثل) لما تقدم، (ولشرحها)؛ أي: لكونها تشرح (باليسر)؛ أي: بأسلوب ميسر ومؤصل (عمَّن) من أئمة النقد الذين (نقلوا) الكلام على الأحاديث والرجال والعلل.
وكتب العلل ذكر منها الشيخ محفوظ الرحمن زين الله السلفي - رحمه الله - في مقدمة كتاب العلل للدارقطني نحو خمسين مصنفًا، وزاد عليها غيره الكثير ما بين مطبوع، ومخطوط، ومفقود، ولا تقتصر الأحاديث على كتب العلل والتخريج خاصة، فكثير من كتب الرجال وشروح الحديث والتراجم اشتملت على علل الحديث، تقل في بعضها، وتكثر في البعض الآخر؛ كالسنن الكبرى للنسائي، والضعفاء للعقيلي، والحلية لأبي نعيم، والفوائد المنتخبة للخطيب البغدادي، والتاريخ الكبير والأوسط للبخاري، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عَدِي، وتاريخ دمشق لابن عساكر وغيرها، والله الموفِّق، والله - تعالى - أعلم، وتم بحمد الله وعونه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
خاتمة
والحمدُ لله على التمامِ ![]() فهو المعلِّم وذو الإكرامِ ![]() وصلِّ ربَّنا على النبيِّ ![]() محمدٍ ونسلِه النقيِّ ![]() وآلِه وزوجِه وصحبِه ![]() ومَن تلا متبعًا لنَهْجِه ![]() |
(والحمد لله) والشكر له - سبحانه - كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، حمدًا يكافئ نعمه، ويوافي مزيده (على) توفيقه وتسديده لبلوغ (التمام) في نظم هذه الأبيات وشرحها؛ (فهو) - سبحانه - (المعلِّم)، الذي علَّم الإنسان بالقلم، علَّمه ما لم يعلم، فسبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، فهو - سبحانه - ذو الجلال (وذو الإكرام)، يكرم بنعمه وآلائه وعطائه، (وصلِّ) يا (ربَّنا) على (النبي محمد) - صلى الله عليه وسلم - رسول الهدى، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم، ورسول العالمين، وخليل الله من خلقه وصفوته من عباده، (و) كذلك (نسله النقي) من ولده، (وآله) إلى يوم الدين الأشراف الطيبين الأبرار، (وزوجه) الطاهرات المرضيات كلهن، (وصحبه) الكرام أجمعين - رضي الله عنهم - (ومَن تلا)، وجاء بعدَهم من التابعين وتابع التابعين، وتبع الأتباع، (متبعًا لنهجه)؛ أي: لنهج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، والحمد لله رب العالمين.
تم بحمد لله وعونِه
[1] شرح علل الترمذي (1/172).
[2] المجروحين (1/55).
[3] محاسن الاصطلاح ص (203).
[4] الجامع لأخلاق الراوي (2/295).
[5] معرفة مراتب الثقات ص 8.
[6] قال السخاوي - رحمه الله -: "ومن ثَمَّ سمَّى شيخنا كتابَه (الزهر المطلول في معرفة المعلول)"؛ (فتح المغيث 1/255)، وسماه بعضهم: "الزهر المطلول في بيان الحديث المعلول"؛ كما في شذرات الذهب (7/272)، وانظر: تدريب الراوي (1/258).
[7] الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص (61).
[8] شذرات الذهب (7/272).